نوازل فقهية طارئة على مواسم الحج/الشيخ جمعه الكعبي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، وبعد:
 [مبحث في أحكام الحج الركنية إذا لم يتمكن الحجاج من فعلها فما هو العمل،كالإحرام والطواف والسعي _، وغيرها من الفروض، إذ يراها بعض أهل المذاهب أنها ركنا عندهم] 
فالجواب هو مايلي:
بسم الله الرحمن الرحيم  قال الله تعالى: "...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...".
وقال الله عز وجل: "... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج".
وقال صلى الله عليه وسلم:  "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا " متفق عليه.
وقد دعا رسول الله عليه وسلم على من شق على المسلمين وشدد عليهم وضيق: فعن أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"اللهم مَن وَلِيَ من أمر أُمَّتي شيئًا فرفق بهم فارفق به، ومَن وَلِيَ من أمر أمَّتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقُقْ عليه" رواه الإمام مسلم.
وقد قال الناظم:
والأصل في التضييق ضيق الباع،
في العلم والفهم والاطلاع.
فقد جاء عن أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لما جئنا سرف حضتُ, فقال النبيُّ ﷺ: 
"افعلي ما يفعل الحاج, غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري".  متَّفقٌ عليه.
سؤال: 
(لكن ماذا تفعل من رُهقت بسفر وحجوزات سكن وطيران وزيادة الازدحام وتكلفة المعيشة وغيرها. ثم إذا حاضت قبل ذلك ما عليها وماذا تفعل إن لم تفعل بعض الأركان كمن نسي الإحرام أو من لم يستطع طواف الإفاضة أو السعي)الخ؟.
الجواب:
قال السادة الأحناف في ذلك أن الراجح عندهم، بالنسبة لطواف الإفاضة -وهو رواية عن الإمام أحمد-  إن من حاضت ولم تطف بالبيت طواف الحج عليها دم، لأن الطهارة من الحيض عندهم شرط وجوب لا شرط صحة؟.
وهذا القول عند الإمام أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد بأنه واجب.
 وكذلك عند الأحناف أيضا [الإحرام والسعي]
وليس من الأركان بل هي من الواجبات التي تجبر بدم عندهم.
[فالحاج المسلم إذا ضاقت عليه السبل وزحمت عليه الوسائل وضاقت عليه الأوقات ولم يتمكن فعل ما هو ركن في مذهبه فماذا يفعل] الخ؟.
والسؤال لا يتعلق بالركن الثابت وذلك لتعلق الحج به تعلقا تاما كمن دخل صلاة فرضه بلا إحرام، فالوقوف بعرفة معروف بتأصل ركنيته وبضيق وقته الذي هو من بعد زوال اليوم التاسع إلى ظهور الفجر الصادق من يوم النحر يوم العيد، 
ولشدة تأكد ركنيته الذي ذكرنا، كون المصطفى صلى الله عليه وسلم جعله الحج كله بقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "الحج عرفة"، فتأمله.
ومثله: قوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة".
والحديث: "الحج عرفة": أخرجه أحمد في مسنده ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في السنن .. كما رواه ابن حبان والحاكم وصححاه.
وذلك أنه إذا أدرك قبل فوات وقته تم الحج، وإذا فات ولم يتدارك بطل، ولا يمكن جبره بدم الخ، 
قال العلامة خليل في مختصره: "وإن وقف _ أي بعرفة _ وأحصر عن البيت فحجه تم"، فتأمله.
وكذا ما فيها من الفضائل التي ليست في غيره، منها: قوله الله تعالى: [لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا  اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ] سورة البقرة (198). فهنا الهداية لم تذكر إلا بعد الوقوف بها فتأملوه.
ومن السنة النبوية المشرفة أيضا: عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة، إنه ليدني، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء، اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم"
وكذلك عند الإمام أحمد في المسند وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة مرفوعا: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثا غبرا" الخ.
فائدة:
من فاته ركن في مذهبه يرى بعض أهل العلم والفضل مبطلا لحجه، وعليه الحج من قابل، 
لكن في هذا الوقت والواقع الحالي والزمن ومع كثرة المعاناة وقلة وفرة المال ولصعوبة تمكنه من الحصول بالدخول لمكة في موسم الحج في أي وقت يريده الحاج لكثرة الناس القادمين من شتى الآفاق وبالقرعة وقد لا يوافقه الحظ في مرة أخرى لتعسره ولم تكن من نصيبه وغير ذلك، 
فيرى بعض أهل العلم من الأئمة الأربعة ومن وافقهم أن الأمر فيه سعة وذلك لمن يرى الركن في مذهبه فقد يرى وجوبه عند غيره لا ركنيته، 
فعليه حينها أن يأخذ به لما يترتب عليه من التبعية وذلك لشدة المشقة والتكلفة عليه، 
فبسبب ذلك فله الحق أن يعمل بقول إمام آخر من الأئمة الفضلاء المعتبرين الأربعة ومن وافقهم،
[والقاعدة تقول المشقة تجلب التيسير، وما ضاقت إلا اتسعت] وهكذ] الخ.
أخذا بمعنى عموم أدلة الكتاب والسنة التي تقدم ذكرها.
وذلك لأن الجميع من الأئمة الأربعة ما فيهم أحد دعا لنفسه ولا لأتباعه، بل اتبعتهم الأمة وأخذت بمذاهبهم لفضلهم وقبول إمامتهم في الدين،
فأروا سبيلا لهم قال الله تبارك وتعالى:
"وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ 
_ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ _ 
نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا". سورة النساء آية (115).
أي: ما كانوا فيه وأخذوه به وأجمعوا عليه جميعا.
و مع أن كلا منهم أثر عنه قال: 
"إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مذهبي".
وقد جاء في مذهب الإمام مالك رحمه الله الاحتراز من مخالفة الأئمة الأربعة المعتبرين في قولهم لذا قالوا: (وخلف الشافعي يجتنب)، مع أنه تلميذه وغير ذلك من المسوغات، ولذلك عندهم ما يعرف بمراعاة الخلاف، ومنه قوله خليل: "وَاقْتَصَرَ عَلَى الْوَقْتِ لِلْقَائِلِ بِطَهَارَةِ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ"، 
وقد سئل بعض أهل الفضل من السلف عن الدين ما هو فقال هو اليسر، فتأملوه الخ؟.
وإليكم فالفرق بين الركن والواجب في العبادات قال بن عثيمين رحمه الله: 
الركن تعريفه هو: في أحكام وأمور الصلاة مثلا: ما لا تصح الصلاة بدونه، ولا بد من فعله، ولا يسقط بالسهو.
وأما الواجب: فما يجب فعله أو قوله، ولكن الصلاة تصح بدونه إذا وقع ذلك سهواً، ويجبر بسجود السهو. 
هذا هو الفرق الحكمي بين الركن والواجب.
والجواب:
في مسألة الطواف على من حاضت مثلا:
قال الحنفية في الراجح عندهم ـ وهو رواية عن الإمام أحمد: إن الطهارة من الحيض والنفاس واجبة، وليست شرطا للصحة، فإن من طافت وهي حائض أو نفساء فقد عصت، إذا لم يكن لها عذر، وعليها بدنة. 
وفي إيجاب البدنة نظر، بل غاية ما يجب عليها شاة لترك الواجب، قياسا على غيره من واجبات الحج، أو لا شيء عليها لأنها تاركة لشرط، و الشرط لا يجبر تركه دم، بل يسقط بالعجز عنه.
وهي فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله وبه أفتى العلامة/ 
عبد العزيز بن باز رحمه الله.
وقد جاء أيضا في الروض مع حاشيته: 
_ ومن ترك واجبا ولو سهوا فعليه دم سواء كان من حج أو عمرة، ولا إثم مع سهو، وكذا جهل أو نسيان، فإن عدمه فكصوم المتعة، عشرة أيام، فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله _. انتهى.
هذا والله أعلى وأعلم سبحانه وتعالى علام الغيوب فرحمة الله بعباده بتيسير دينه لهم، فإن مع العسر يسرا، والمشقة تجلب اليسر، 
والحق عز وجل 
_ إذا سلب ما أوهب أسقط ما أوجب _ اللطيف الخبير الروؤف  الرحيم، 
والحمد لله على فضله والصلاة على من لا نبي بعده وفقنا الله جميعا للخير آمين الدعاء.

القسم: